اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 463
قالت عائشة- رضى الله عنها-: (هي اليتيمة تكون في حِجر وليها، فيرغب في مالها وجمالها، ويريد أن ينكحها بأدنى صداقها، فنُهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأُمِروا أن ينكحوا ما سواهن من النساء.) . رواه البخاري.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: - (إن الرجل منهم كان يتزوج العشرة وأكثر- يعني قبل التحريم- فإذا ضاق ماله أخذ من مال يتيمه) ، فقال لهم: إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى- أي: في أموالهن- فانكحوا ما طاب لكم من غيرهن (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ أي: اثنتين اثنتين لكل واحدٍ، أو ثلاثاً ثلاثاً، أو أربعًا أربعًا، ولا تزيدوا، فمنع ما كان في الجاهلية من الزيادة على الأربع، وهو مُجمع عليه بنص الآية، ولا عبرة بمن جوَّز تسعًا لظاهر الآية لأن المراد التخيير بين تلك الأعداد، لا الجمع، ولو أراد الجمع لقال تسعًا، ولم يعدل عن ذلك إلى ما هو أطول منه وأقل بيانًا.
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا بين الاثنتين أو الثلاث أو الأربع، فاقتصروا على واحدة، أو على مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن قليل أو كثير إذ لا يجب العدل بينهن، ذلِكَ الاقتصار على الواحدة أَدْنى أي: أقرب أَلَّا تَعُولُوا أي:
تجوروا أو تميلوا، أو ألا تجاوزوا ما فرض عليكم من العدل، أو أدنى ألا يكثر عيالكم فتفتقروا، وهي لغة حِمْيَر. والله تعالى أعلم.
الإشارة: اعلم أن الحق تعالى جعل أولياءه أصنافاً عديدة فمنهم من غلب عليه فيض العلوم، ومنهم من غلب عليه هجوم الأحوال، ومنهم من غلب عليه تحقيق المقامات. قال الشيخ أبو العباس المرسى رضي الله عنه: كان الجنيد رضي الله عنه قطبًا في العلوم، وكان أبو يزيد رضي الله عنه قطباً في الأحوال، وكان سهل بن عبد الله قطبًا في المقامات. هـ. أي: كل واحد غلب عليه واحد من ذلك، مع مشاركته للآخر في الباقي، فينبغي لكل واحد أن يخوض في فنِّه الذي خصَّه الله به ولا يتصدى لغيره. فقال لهم الحق- جل جلاله- من طريق الإشاره: فإن خفتم يا مَنْ غلبت عليهم الأحوال أو المقامات، أَلاَّ تُقسطوا في يتامى العلوم التي اختص بها غيركم، فانكحوا ما طاب لكم من ثيبات الأحوال وأبكار الحقائق، كثيرة أو قليلة، فإن خفتم أن تغلبكم الأحوال، أو التنزل في المقامات، ولا تعدلوا فيها، فالزموا حالة واحدة ومقامًا واحدًا، وهو المقام الذي ملكه وتحقق به، فإنه أقرب ألا ينحرف عن الاعتدال لأن كثرة الأحوال تضر بالمريد كما هو مقرر في فنه. والله تعالى أعلم.
ولما أمر بالنكاح أمر ببذل الصداق، فقال: